الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير البيضاوي المسمى بـ «أنوار التنزيل وأسرار التأويل» ***
{بسم الله الرحمن الرحيم} {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)} {الم} سبق القول فيه، ووقوع الاستفهام بعده دليل استقلاله بنفسه أو بما يضمر معه. {أَحَسِبَ الناس} الحسبان مما يتعلق بمضامين الجمل للدلالة على جهة ثبوتها ولذلك اقتضى مفعولين متلازمين أو ما يسد مسدهما كقوله: {أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} فإن معناه أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم {آمنا}، فالترك أول مفعوليه وغير مفتونين من تمامه ولقولهم {آمنا} هو الثاني كقولك: حسبت ضربه للتأديب، أو أنفسهم متروكين غير مفتونين لقولهم {مِنَ} بل يمتحنهم الله بمشاق التكاليف، كالمهاجرة والمجاهدة ورفض الشهوات ووظائف الطاعات وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ليتميز المخلص من المنافق والثابت في الدين من المضطرب فيه، ولينالوا بالصبر عليها عوالي الدرجات، فإن مجرد الإِيمان وإن كان عن خلوص لا يقتضي غير الخلاص من الخلود في العذاب. روي أنها نزلت في ناس من الصحابة جزعوا من أذى المشركين، وقيل في عمار وقد عذب في الله تعالى، وقيل في مهجع مولى عمر بن الخطاب رماه عامر بن الحضرمي بسهم يوم بدر فقتله فجزع عليه أبواه وامرأته. {وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ} متصل ب {أَحَسِبَ} أو ب {لاَ يُفْتَنُونَ}، والمعنى أن ذلك سنة قديمة جارية في الأمم كلها فلا ينبغي أن يتوقع خلافه. {فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين} فليتعلقن علمه بالامتحان تعلقاً حالياً يتميز به الذين صدقوا في الإِيمان والذين كذبوا فيه، وينوط به ثوابهم وعقابهم ولذلك قيل المعنى وليميزن أو ليجازين، وقرئ «وليعلمن» من الإِعلام أي وليعرفنهم الله الناس أو لَيَسِمَنَّهُمْ بِسِمَةٍ يَعرفون بها يوم القيامة كبياض الوجوه وسوادها. {أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات} الكفر والمعاصي فإن العمل يعم أفعال القلوب والجوارح. {أَن يَسْبِقُونَا} أن يفوتونا فلا نقدر أن نجازيهم على مساويهم وهو ساد مسد مفعولي {حَسِبَ} لاشتماله على مسند ومسند إليه ويجوز أن يضمن {حَسِبَ} معنى قدر أو أم منقطعة والإِضراب فيها لأن هذا الحسبان أبطل من الأول ولهذا عقبه بقوله: {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} أي بئس الذي يحكمونه، أو حكماً يحكمونه حكمهم هذا فحذف المخصوص بالذم. {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله} في الجنة، وقيل المراد بلقاء الله الوصول إلى ثوابه، أو إلى العاقبة من الموت والبعث والحساب والجزاء على تمثيل حاله بحال عبد قدم على سيده بعد زمان مديد وقد اطلع السيد على أحواله، فأما أن يلقاه ببشر لما رضي من أفعاله أو بسخط لما سخط منها. {فَإِنَّ أَجَلَ الله} فإن الوقت المضروب للقائه. {لأَتٍ} لجاء وإذا كان وقت اللقاء آتياً كان اللقاء كائناً لا محالة، فليبادر ما يحقق أمله ويصدق رجاءه أو ما يستوجب به القربة والرضا. {وَهُوَ السميع} لأقوال العباد. {العليم} بعقائدهم وأفعالهم. {وَمَن جَاهَدَ} نفسه بالصبر على مضض الطاعة والكف عن الشهوات. {فَإِنَّمَا يجاهد لِنَفْسِهِ} لأن منفعته لها. {إِنَّ الله لَغَنِىٌّ عَنِ العالمين} فلا حاجة به إلى طاعتهم، وإنما كلف عباده رحمة عليهم ومراعاة لصلاحهم. {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ} الكفر بالإِيمان والمعاصي بما يتبعها من الطاعات. {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذى كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي أحسن جزاء أعمالهم. {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} بإيتائهما فعلاً ذا حسن، أو كأنه في ذاته حسن لفرط حسنه ووصى يجري مجرى أمر معنى وتصرفاً. وقيل هو بمعنى قال أي وقلنا له أحسن بوالديك {حَسَنًا}، وقيل {حَسَنًا} منتصب بفعل مضمر على تقدير قول مفسر للتوصية أي قلنا أولهما أو افعل بهما {حَسَنًا} وهو أوفق لما بعده وعليه يحسن الوقف على {بوالديه}، وقرئ {حَسَنًا} و«إحساناً». {وَإِن جاهداك لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} بإلهيته عبر عن نفيها بنفي العلم بها إشعاراً بأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه وإن لم يعلم بطلانه فضلاً عما علم بطلانه. {فَلاَ تُطِعْهُمَا} في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر قبل. {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} مرجع من آمن منكم ومن أشرك ومن بر بوالديه ومن عق. {فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بالجزاء عليه، والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه حمنة، فإنها لما سمعت بإسلامه حلفت أنها لا تنتقل من الضح ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد ولبثت ثلاثة أيام كذلك وكذا التي في «لقمان» و«الأحقاف». {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى الصالحين} في جملتهم والكمال في الصلاح منتهى درجات المؤمنين ومتمنى أنبياء الله المرسلين، أو في مدخلهم وهو الجنة. {وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بالله فَإِذَا أُوذِىَ فِى الله} بأن عذبهم الكفرة على الإِيمان. {جَعَلَ فِتْنَةَ الناس} ما يصيبه من أذيتهم في الصرف عن الإِيمان. {كَعَذَابِ الله} في الصرف عن الكفر. {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مّن رَّبِّكَ} فتح وغنيمة. {لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} في الدين فأشركونا فيه، والمراد المنافقون أو قوم ضعف إيمانهم فارتدوا من أذى المشركين ويؤيد الأول. {أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ العالمين} من الإِخلاص والنفاق.
{وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18)} {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين ءَامَنُواْ} بقلوبهم. {وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين} فيجازي الفريقين. {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ اتبعوا سَبِيلَنَا} الَّذِي نسلكه في ديننا. {وَلْنَحْمِلْ خطاياكم} إن كان ذلك خطيئة أو إن كان بعث ومؤاخذة، وإنما أمروا أنفسهم بالحمل عاطفين على أمرهم بالاتباع مبالغة في تعليق الحمل بالاتباع والوعد بتخفيف الأوزار عنهم إن كانت تشجيعاً لهم عليه، وبهذا الاعتبار رد عليهم وكذبهم بقوله: {وَمَا هُمْ بحاملين مِنْ خطاياهم مّن شَئ إِنَّهُمْ لكاذبون} من الأولى للتبيين والثانية مزيدة والتقدير: وما هم بحاملين شيئاً من خطاياهم. {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} أثقال ما اقترفته أنفسهم. {وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} وأثقالاً أخر معها لما تسببوا له بالإِضلال والحمل على المعاصي من غير أن ينقص من أثقال من تبعهم شيء. {وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ القيامة} سؤال تقريع وتبكيت. {عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من الأباطيل التي أضلوا بها. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} بعد المبعث، إذ روي أنه بعث على رأس الأربعين ودعا قوماً تسعمائة وخمسين وعاش بعد الطوفان ستين، ولعل اختيار هذه العبارة للدلالة على كمال العدد فإن تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه ولما في ذكر الألف من تخييل طول المدة إلى السامع، فإن المقصود من القصة تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيته على ما يكابده من الكفرة واختلاف المميزين لما في التكرير من البشاعة. {فَأَخَذَهُمُ الطوفان} طوفان الماء وهو لما طاف بكثرة من سيل أو ظلام أو نحوهما. {وَهُمْ ظالمون} بالكفر. {فأنجيناه} أي نوحاً عليه الصلاة والسلام. {وأصحاب السفينة} ومن أركب معه من أولاده وأتباعه وكانوا ثمانين. وقيل ثمانية وسبعين وقيل عشرة نصفهم ذكور ونصفهم إناث. {وجعلناها} أي السفينة أو الحادثة. {ءَايَةً للعالمين إِنَّ} يتعظون ويستدلون بها. {وإبراهيم} عطف على {نُوحاً} أو نصب بإضمار اذكر، وقرئ بالرفع على تقدير ومن المرسلين إبراهيم. {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله} ظرف لأرسلنا أي أرسلناه حين كمل عقله وتم نظره بحيث عرف الحق وأمر الناس به، أو بدل منه بدل اشتمال إن قدر باذكر. {واتقوه ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ} مما أنتم عليه. {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} الخير والشر وتميزون ما هو خير مما هو شر، أو كنتم تنظرون في الأمور بنظر العلم دون نظر الجهل. {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أوثانا وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} وتكذبون كذباً في تسميتها آلهة وادعاء شفاعتها عند الله تعالى، أو تعملونها وتنحتونها للإِفك وهو استدلال على شرارة ما هم عليه من حيث إنه زور وباطل، وقرئ»تخلقون«من خلق للتكثير»وَتَخْلُقُونَ«من تخلق للتكلف، و{إِفْكاً} على أنه مصدر كالكذب أو نعت بمعنى خلقاً ذا إفك. {إِنَّ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً} دليل ثان على شرارة ذلك من حيث إنه لا يجدي بطائل، و{رِزْقاً} يحتمل المصدر بمعنى لا يستطيعون أن يرزقوكم وأن يراد المرزوق وتنكيره للتعميم. {فابتغوا عِندَ الله الرزق} كله فإنه المالك له. {واعبدوه واشكروا لَهُ} متوسلين إلى مطالبكم بعبادته مقيدين لما حفكم من النعم بشكره، أو مستعدين للقائه بهما، فإنه: {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وقرئ بفتح التاء. {وَإِن تُكَذِّبُواْ} وإن تكذبوني. {فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مّن قَبْلِكُمْ} من قبلي من الرسل فلم يضرهم تكذيبهم وإنما ضر أنفسهم حيث تسبب لما حل بهم من العذاب فكذا تكذيبكم. {وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين} الذي يزال معه الشك وما عليه أن يصدق ولا يكذب، فالآية وما بعدها من جملة قصة {إِبْرَاهِيمَ} إلى قوله {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} ويحتمل أن تكون اعتراضاً بذكر شأن النبي صلى الله عليه وسلم وقريش وهدم مذهبهم والوعيد على سوء صنيعهم، توسط بين طرفي قصته من حيث إن مساقها لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم والتنفيس عنه، بأن أباه خليل الله صلوات الله عليهما كان ممنواً بنحو ما مني به من شرك القوم وتكذيبهم وتشبيه حاله فيهم بحال إبراهيم في قومه
{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)} {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئ الله الخلق} من مادة ومن غيرها، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالتاء على تقدير القول وقرئ «يبدأ». {ثُمَّ يُعِيدُهُ} إخبار بالإِعادة بعد الموت معطوف على {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} لا على {يُبْدِئ}، فإن الرؤية غير واقعة عليه ويجوز أن تؤول الإِعادة بأن ينشئ في كل سنة مثل ما كان في السنة السابقة من النبات والثمار ونحوهما وتعطف على {يُبْدِئ}. {إِنَّ ذلك} الإِشارة إلى الإِعادة أو إلى ما ذكر من الأمرين. {عَلَى الله يَسِيرٌ} إذ لا يفتقر في فعله إلى شيء. {قُلْ سِيرُواْ فِى الأرض} حكاية كلام الله لإِبراهيم أو محمد عليهما الصلاة والسلام. {فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق} على اختلاف الأجناس والأحوال. {ثُمَّ الله يُنشِئ النشأة الآخرة} بعد النشأة الأولى التي هي الإِداء، فإنه والإِعادة نشأتان من حيث أن كلاً اختراع وإخراج من العدم، والإِفصاح باسم الله مع إيقاعه مبتدأ بعد إضماره في بدأ والقياس الاقتصار عليه للدلالة على أن المقصود بيان الإِعادة، وأن من عرف بالقدرة على الإِبداء ينبغي أن يحكم له بالقدرة على الإِعادة لأنها أهون والكلام في العطف ما مر، وقرئ «النشاءة» كالرآفة. {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} لأن قدرته لذاته ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على سواء فيقدر على النشأة الأخرى كما قدر على النشأة الأولى. {يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} تعذيبه. {وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ} رحمته. {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} تردون. {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} ربكم عن إدراككم. {فِي الأرض وَلاَ فِي السماء} إن فررتم من قضائه بالتواري في الأرض أو الهبوط في مهاويها، والتحصن {فِى السماء} أو القلاع الذاهبة فيها وقيل ولا من في السماء كقول حسان: أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ الله مِنْكُم *** وَيَمْدَحهُ وَيَنْصُرهُ سَوَاء {وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} يحرسكم عن بلاء يظهر من الأرض أو ينزل من السماء ويدفعه عنكم. {والذين كَفَرُواْ بئايات الله} بدلائل وحدانيته أو بكتبه. {وَلِقَائِهِ} بالبعث. {أُوْلَئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِى} أي ييأسون منها يوم القيامة، فعبر عنه بالماضي للتحقق والمبالغة، أو أيسوا في الدنيا لإنكار البعث والجزاء. {وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} بكفرهم. {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} قوم إبراهيم له. وقرئ بالرفع على أنه الاسم والخبر. {إِلاَّ أَن قَالُواْ اقتلوه أَوْ حَرّقُوهُ} وكان ذلك قول بعضهم لكن لما قيل فيهم ورضي به الباقون أسند إلى كلهم. {فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النار} أي فقذفوه في النار فأنجاه الله منها بأن جعلها عليه برداً وسلاماً. {إِنَّ فِى ذَلِكَ} في إنجائه منها. {لآيَاتٍ} هي حفظه من أذى النار وإخمادها مع عظمها في زمان يسر وإنشاء روض مكانها. {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأنهم المنتفعون بالتفحص عنها والتأمل فيها. {وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم مّن دُونِ الله أوثانا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى الحياة الدنيا} أي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها، وثاني مفعولي {اتخذتم} محذوف ويجوز أن تكون مودة المفعول الثاني بتقدير مضاف أي اتخذتم أوثان سبب المودة بينكم أو بتأويلها بالمودودة، وقرأها نافع وابن عامر وأبو بكر منونة ناصبة بينكم والوجه ما سبق، وابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس مرفوعة مضافة على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي مودودة أو سبب مودة بينكم، والجملة صفة {أوثانا} أو خبر إن على {إِنَّمَا} مصدرية أو موصولة والعائد محذوف وهو المفعول الأول، وقرئت مرفوعة منونة ومضافة بفتح {بَيْنِكُمْ} كما قرئ {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} وقرئ «إنما مودة بينكم». {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} أي يقوم التناكر والتلاعن بينكم، أو بينكم وبين الأوثان على تغليب المخاطبين كقوله تعالى: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} {وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين} يخلصونكم منها. {فَئَامَنَ لَهُ لُوطٌ} هو ابن أخيه وأول من آمن به، وقيل إنه آمن به حين رأى النار لم تحرقه. {وَقَالَ إِنّى مُهَاجِرٌ} من قومي. {إلى رَبّى} إلى حيث أمرني. {إِنَّهُ هُوَ العزيز} الذي يمنعني من أعدائي. {الحكيم} الذي لا يأمرني إلا بما فيه صلاحي. روي أنه هاجر من كوثى من سواد الكوفة مع لوط وامرأته سارة ابنة عمه إلى حران، ثم منها إلى الشام فنزل فلسطين ونزل لوط سدوم. {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ} ولداً ونافلة حين أيس من الولادة من عجوز عاقر ولذلك لم يذكر إسماعيل. {وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِ النبوة} فكثر منهم الأنبياء. {والكتاب} يريد به الجنس ليتناول الكتب الأربعة. {وَءَاتَيْنَاهُ أَجْرَهُ} على هجرته إلينا. {فِى الدنيا} بإعطاء الولد في غير أوانه، والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وإنماء أهل الملل إليه والثناء والصلاة عليه إلى آخر الدهر. {وَإِنَّهُ فِى الآخرة لَمِنَ الصالحين} لفي عداد الكاملين في الصلاح.
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} {وَلُوطاً} عطف على إبراهيم أو على ما عطف عليه. {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفاحشة} الفعلة البالغة في القبح، وقرأَالحرميان وابن عامر وحفص بهمزة مكسورة على الخبر والباقون على الاستفهام وأجمعوا على الاستفهام في الثاني. {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن العالمين} استئناف مقرر لفاحشتها من حيث إنها مما اشمأزت منه الطباع وتحاشت عنه النفوس حتى أقدموا عليها لخبث طينتهم. {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل} وتتعرضون للسابلة بالقتل وأخذ المال أو بالفاحشة حتى انقطعت الطرق، أو تقطعون سبيل النسل بالإِعراض عن الحرث وإتيان ما ليس بحرث. {وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ} في مجالسكم الغاصة بأهلها ولا يقال للنادى إلا لما فيه أهله. {المنكر} كالجماع والضراط وحل الإِزار وغيرها من القبائح عدم مبالاة بها. وقيل الحذف ورمي البنادق. {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في استقباح ذلك أو في دعوى النبوة المفهومة من التوبيخ. {قَالَ رَبّ انصرنى} بإنزال العذاب. {عَلَى القوم المفسدين} باتباع الفاحشة وسنها فيمن بعدهم، وصفهم بذلك مبالغة في استنزال العذاب وإشعاراً بأنهم أحقاء بأن يعجل لهم العذاب. {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى} بالبشارة بالولد والنافلة. {قَالُواْ إِنَّآ مُهْلِكُو أَهْلِ هذه القرية} قرية سدوم والإِضافة لفظية لأن المعنى على الاستقبال. {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظالمين} تعليل لإِهلاكهم لهم بإصرارهم وتماديهم في ظلمهم الذي هو الكفر وأنواع المعاصي. {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً} اعتراض عليهم بأن فيها من لم يظلم، أو معارضة للموجب بالمانع وهو كون النبي بين أظهرهم. {قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} تسليم لقوله مع ادعاء مزيد العلم به وأنهم ما كانوا غافلين عنه، وجواب عنه بتخصيص الأهل بمن عداه وأهله أو تأقيت الإِهلاك بإخراجهم منها، وفيه تأخير للبيان عن الخطاب. {إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين} الباقين في العذاب أو القرية. {وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِئ بِهِمْ} جاءته المساءة والغم بسببهم مخافة أن يقصدهم قومه بسوء، و{أَن} صلة لتأكيد الفعلين واتصالهما. {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} وضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه أي طاقته كقولهم ضاقت يده وبإزائه رحب ذرعه بكذا إذا كان مطيقاً له، وذلك لأن طويل الذراع ينال ما لا يناله قصير الذراع. {وَقَالُواْ} لما رأوا فيه أثر الضجرة. {لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ} على تمكنهم منا. {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امرأتك كَانَتْ مِنَ الغابرين} وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب «لننجينه»»ومنجوك«بالتخفيف ووافقهم أبو بكر وابن كثير في الثاني، وموضع الكاف الجر على المختار ونصب {أَهْلِكَ} بإضمار فعل أو بالعطف على محلها باعتبار الأصل. {إِنَّا مُنزِلُونَ على أَهْلِ هذه القرية رِجْزاً مِّنَ السماء} عذاباً منها سمي بذلك لأنه يقلق المعذب من قولهم ارتجز إذا ارتجس أي اضطرب، وقرأ ابن عامر»مُنزِّلُونَ«بالتشديد. {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} بسبب فسقهم. {وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا ءايَةً بَيّنَةً} هي حكايتها الشائعة أو آثار الديار الخربة، وقيل الحجارة الممطرة فإنها كانت باقية بعد وقيل بقية أنهارها المسودة. {لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم في الاستبصار والاعتبار، وهو متعلق ب {تَّرَكْنَا} أو {ءايَةً}. {وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْباً فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر} وافعلوا ما ترجون به ثوابه فأقيم المسبب مقام السبب، وقيل إنه من الرجاء بمعنى الخوف. {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ}. {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} الزلزلة الشديدة وقيل صيحة جبريل عليه السلام لأن القلوب ترجف لها. {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} في بلدهم أو دورهم ولم يجمع لأمن اللبس. {جاثمين} باركين على الركب ميتين. {وَعَاداً وَثَمُودَاْ} منصوبان بإضمار اذكر أو فعل دل عليه ما قبله مثل أهلكنا، وقرأ حمزة وحفص ويعقوب {وَثَمُودَاْ} غير منصرف على تأويل القبيلة. {وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مّن مساكنهم} أي تبين لهم بعض مساكنهم، أو إهلاكهم من جهة مساكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها. {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم} من الكفر والمعاصي. {فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل} السوي الذي بينه الرسل لهم. {وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ} متمكنين من النظر والاستبصار ولكنهم لم يفعلوا، أو متبينين أن العذاب لا حق بهم بإخبار الرسل لهم ولكنهم لجوا حتى هلكوا. {وقارون وَفِرْعَوْنَ وهامان} معطوف على عاداً وتقديم {قارون} لشرف نسبه. {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ موسى بالبينات فاستكبروا فِى الأرض وَمَا كَانُواْ سابقين} فائتين بل أدركهم أمر الله من سبق طالبه إذا فاته. {فَكُلاًّ} من المذكورين. {أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} عاقبناه بذنبه. {فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً} ريحاً عاصفاً فيها حصباء، أو ملكاً رماهم بها كقوم لوط. {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة} كمدين وثمود. {وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض} كقارون. {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا} كقوم نوح وفرعون وقومه. {وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} ليعاملهم معاملة الظالم فيعاقبهم بغير جرم إذ ليس ذلك من عادته عز وجل. {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالتعرض للعذاب.
{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)} {مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَاءَ} فما اتخذوه معتمداً ومتكلاً. {كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً} فيما نسجته في الوهن والخور بل ذاك أوهن فإن لهذا حقيقة وانتفاعاً ما، أو مثلهم بالإضافة إلى رجل بنى بيتاً من حجر وجص، والعنكبوت يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، والتاء فيه كتاء طاغوت ويجمع على عناكيب وعناكب وعكاب وعكبة وأعكب. {وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت} لا بيت أوهن وأقل وقاية للحر والبرد منه. {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} يرجعون إلى علم لعلموا أن هذا مثلهم وأن دينهم أوهن من ذلك، ويجوز أن يكون المراد ببيت العنكبوت دينهم سماه به تحقيقاً للتمثيل فيكون المعنى: وإن أوهن ما يعتمد به في الدين دينهم. {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَئ} على إضمار القول أي قل للكفرة إن الله يعلم، وقرأ البصريان بالياء حملاً على ما قبله و{مَا} استفهامية منصوبة ب {تَدْعُونَ} و{يَعْلَمْ} معلقة عنها و{مِنْ} للتبيين أو نافية و{مِنْ} مزيدة و{شَئ} مفعول {تَدْعُونَ} أو مصدرية و{شَئ} مصدر أو موصولة مفعول ليعلم ومفعول {تَدْعُونَ} عائدها المحذوف، والكلام على الأولين تجهيل لهم وتوكيد للمثل وعلى الأخيرين وعيد لهم. {وَهُوَ العزيز الحكيم} تعليل على المعنيين فإن من فرط الغباوة إشراك ما لا يعد شيئاً بمن هذا شأنه، وأن الجماد بالإِضافة إلى القادر القاهر على كل شيء البالغ في العلم وإتقان الفعل الغاية كالمعدوم، وأن من هذا وصفه قادر على مجازاتهم. {وَتِلْكَ الأمثال} يعني هذا المثل ونظائره. {نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} تقريباً لما بعد من أفهامهم. {وَمَا يَعْقِلُهَا} ولا يعقل حسنها وفائدتها. {إِلاَّ العالمون} الذين يتدبرون الأشياء على ما ينبغي. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية فقال: «العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه» {خَلَقَ الله السموات والأرض بالحق} محقاً غير قاصد به باطلاً، فإن المقصود بالذات من خلقها إفادة الخير والدلالة على ذاته وصفاته كما أشار إليه بقوله: {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} لأنهم المنتفعون به. {اتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} تقرباً إلى الله تعالى بقراءته وتحفظاً لألفاظه واستكشافاً لمعانيه، فإن القارئ المتأمل قد ينكشف به بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه. {وَأَقِمِ الصلاة إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} بأن تكون سبباً للانتهاء عن المعاصي حال الاشتغال بها وغيرها من حيث إنها تذكر الله وتورث النفس خشية منه. روي أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ارتكبه، فوصف له عليه السلام فقال: «إن صلاته ستنهاه» فلم يلبث أن تاب. {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} وللصلاة أكبر من سائر الطاعات، وإنما عبر عنها به للتعليل بأن اشتمالها على ذكره هو العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات، أو لذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته. {والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} منه ومن سائر الطاعات فيجازيكم به أحسن المجازاة. {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِىَ أَحْسَنُ} إلا بالخصلة التي هي أحسن كعارضة الخشونة باللين والغضب بالكظم والمشاغبة بالنصح، وقيل هو منسوخ بآية السيف إذ لا مجادلة أشد منه وجوابه أنه آخر الدواء، وقيل المراد به ذو العهد منهم. {إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} بالإِفراط في الاعتداء والعناد أو بإثبات الولد وقولهم {يَدُ الله مَغْلُولَةٌ} أو بنبذ العهد ومنع الجزية. {وَقُولُواْ ءَامَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ} هو من المجادلة بالتي هي أحسن. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وبكتبه ورسله فإن قالوا باطلاً لم تصدقوهم وإن قالوا حقاً لم تكذبوهم» {وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} مطيعون له خاصة وفيه تعريض باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله. {وكذلك} ومثل ذلك الإِنزال. {أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} وحياً مصدقاً لسائر الكتب الإلهية وهو تحقيق لقوله: {فالذين ءاتيناهم الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ} هم عبد الله بن سلام وأضرابه، أو من تقدم عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب. {وَمِنْ هَؤُلاء} ومن العرب أو أهل مكة أو ممن في عهد الرسول من أهل الكتابين. {مَن يُؤْمِنُ بِهِ} بالقرآن. {وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنا} مع ظهورها وقيام الحجة عليها. {إِلاَّ الكافرون} إلا المتوغلون في الكفر فإن جزمهم به يمنعهم عن التأمل فيما يقيد لهم صدقها لكونها معجزة بالإِضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشار إليه بقوله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُواْ مِنْهُ قَبْلِهِ مِن كتاب وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} فإن ظهور هذا الكتاب الجامع لأنواع العلوم الشريفة أمي لم يعرف بالقراءة والتعلم خارق للعادة، وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي ونفي للتجوز في الإِسناد. {إِذاً لارتاب المبطلون} أي لو كنت ممن يخط ويقرأ لقالوا لعله تعلمه أو التقطه من كتب الأولين الأقدمين، وإنما سماهم مبطلين لكفرهم أو لارتيابهم بانتفاء وجه واحد من وجوه الإعجاز المكاثرة، وقيل لارتاب أهل الكتاب لوجدانهم نعتك على خلاف ما في كتبهم فيكون إبطالهم باعتبار الواقع دون المقدر. {بَلْ هُوَ} بل القرآن.
{بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)} {ءَايَاتٌ بينات فِى صُدُورِ الذين أُوتُواْ العلم} يحفظونه لا يقدر أحد على تحريفه. {وَمَا يَجْحَدُ بئاياتنا إِلاَّ الظالمون} المتوغلون في الظلم بالمكابرة بعد وضوح دلائل إعجازها حتى لم يعتدوا بها. {وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رَّبّهِ} مثل ناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى، وقرأ نافع وابن عامر والبصريان وحفص»ءايات«. {قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله} ينزلها كما يشاء لست أملكها فآتيكم بما تقترحونه. {إَِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} ليس من شأني إلا الإنذار وإبانته بما أعطيت من الآيات. {أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ} آية مغنية عما اقترحوه. {أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ} تدوم تلاوته عليهم متحدين به فلا يزال معهم آية ثابتة لا تضمحل بخلاف سائر الآيات، أو يتلى عليهم يعني اليهود بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك. {إِنَّ فِى ذَلِكَ} الكتاب الذي هو آية مستمرة وحجة مبينة. {لَرَحْمَةً} لنعمة عظيمة. {وذكرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وتذكرة لمن همه الإِيمان دون التعنت. وقيل إن أناساً من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتب كتب فيها بعض ما يقول اليهود، " فقال كفى بها ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم " فنزلت. {قُلْ كفى بالله بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} بصدقي وقد صدقني بالمعجزات، أو بتبليغي ما أرسلت به إليكم ونصحي ومقابلتكم إياي بالتكذيب والتعنت. {يَعْلَمُ مَا فِى السموات والأرض} فلا يخفى عليه حالي وحالكم. {والذين ءَامَنُواْ بالباطل} وهو ما يعبد من دون الله. {وَكَفَرُواْ بالله} منكم. {أولئك هُمُ الخاسرون} في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإِيمان. {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب} بقولهم {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء}. {وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى} لكل عذاب أو قوم. {لَّجَاءَهُمُ العذاب} عاجلاً. {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} فجأة في الدنيا كوقعة بدر أو الآخرة عند نزول الموت بهم. {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانه. {يَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين} ستحيط بهم يوم يأتيهم العذاب، أو هي كالمحيطة بهم الآن لإِحاطة الكفر والمعاصي التي توجبها بهم، واللام للعهد على وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على موجب الإِحاطة، أو للجنس فيكون استدلالاً بحكم الجنس على حكمهم. {يَوْمَ يغشاهم العذاب} ظرف {لَمُحِيطَةٌ} أو مقدرة مثل كان كيت وكيت. {مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} من جميع جوانبهم. {وَيَقُولُ} الله أو بعض ملائكته بأمره لقراءة ابن كثير وابن عامر والبصريين بالنون. {ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي جزاءه. {ياعبادى الذين ءَامَنُواْ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فاعبدون} أي إذا لم يتسهل لكم العبادة في بلدة ولم يتيسر لكم إظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك، وعنه عليه الصلاة والسلام: " من فر بدينه من أرض إلى أرض ولو كان شبراً استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما السلام " والفاء جواب شرط محذوف إذ المعنى إن أرضي واسعة إن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها في غيرها.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)} {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} تناله لا محالة. {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} للجزاء ومن هذا عاقبته ينبغي أن يجتهد في الاستعداد له وقرأ أبو بكر بالياء. {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} لننزلنهم. {مّنَ الجنة غُرَفَاً} علالي، وقرأ حمزة والكسائي «لنثوينهم» أي لنقيمنهم من الثواء فيكون انتصاب غرفاً لإجرائه مجرى لننزلنهم، أو بنزع الخافض أو بتشبيه الظرف المؤقت بالمبهم. {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ العاملين} وقرئ «فنعم» والمخصوص بالمدح محذوف دل عليه ما قبله. {الذين صَبَرُواْ} على أذية المشركين والهجرة للدين إلى غير ذلك من المحن والمشاق. {وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ولا يتوكلون إلا على الله. {وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا} لا تطيق حمله لضعفها أو لا تدخره، وإنما تصبح ولا معيشة عندها. {الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} ثم إنها مع ضعفها وتوكلها وإياكم مع قوتكم واجتهادكم سواء في أنه لا يرزقها وإياكم إلا الله، لأن رزق الكل بأسباب هو المسبب لها وحده فلا تخافوا على معاشكم بالهجرة، فإنهم لما أمروا بالهجرة قال بعضهم كيف نقدم بلدة ليس لنا فيها معيشة فنزلت. {وَهُوَ السميع} لقولكم هذا. {العليم} بضميركم. {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر} المسؤول عنهم أهل مكة. {لَيَقُولُنَّ الله} لما تقرر في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واحد واجب الوجود. {فأنى يُؤْفَكُونَ} يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك. {الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} يحتمل أن يكون الموسع له والمضيق عليه واحداً على أن البسط والقبض على التعاقب وألا يكون على وضع الضمير موضع من يشاء وإبهامه لأن من يشاء مبهم. {إِنَّ الله بِكُلّ شَئ عَلِيمٌ} يعلم مصالحهم ومفاسدهم. {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله} معترفين بأنه الموجد للممكنات بأسرها أصولها وفروعها، ثم إنهم يشركون به بعض مخلوقاته الذي لا يقدر على شيء من ذلك. {قُلِ الحمد لِلَّهِ} على ما عصمك من مثل هذه الضلالة، أو على تصديقك وإظهار حجتك. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} فيتناقضون حيث يقرون بأنه المبدئ لكل ما عداه ثم إنهم يشركون به الصنم، وقيل لا يعقلون ما تريد بتحميدك عند مقالهم. {وَمَا هذه الحياة الدنيا} إشارة تحقير وكيف لا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة. {إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ} إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون متعبين. {وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِىَ الحيوان} لهي دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت عليها، أو هي في ذاتها حياة للمبالغة، و{الحيوان} مصدر حي سمي به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واواً وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة ولذلك اختير عليها ها هنا. {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} لم يؤثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة والحياة فيها عارضة سريعة الزوال. {فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الفلك} متصل بما دل عليه شرح حالهم أي هم على ما وصفوا به من الشرك فإذا ركبوا البحر. {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} كائنين في صورة من أخلص دينه من المؤمنين حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون سواه لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد إلا هو. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} فاجؤوا المعاودة إلى الشرك. {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتيناهم} اللام فيه لام كي أي يشركون ليكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة. {وَلِيَتَمَتَّعُواْ} باجتماعهم على عبادة الأصنام وتوادهم عليها، أو لام الأمر على التهديد ويؤيده قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وقالون عن نافع»وَلِيَتَمَتَّعُواْ «بالسكون. {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة ذلك حين يعاقبون. {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} يعني أهل مكة. {أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً} أي جعلنا بلدهم مصوناً عن النهب والتعدي آمناً أهله عن القتل والسبي. {وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ} يختلسون قتلاً وسبياً إذ كانت العرب حوله في تغاور وتناهب. {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ} أبعد هذه النعمة المكشوفة وغيرها مما لا يقدر عليه إلا الله يؤمنون بالصنم أو الشيطان. {وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ} حيث أشركوا به غيره وتقديم الصلتين للاهتمام أو الاختصاص على طريق المبالغة.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} بأن زعم أن له شريكاً. {أَوْ كَذَّبَ بالحق لَمَّا جَاءَهُ} يعني الرسول أو الكتاب، وفي {لَّمّاً} تسفيه لهم بأن لم يتوافقوا ولم يتأملوا قط حين جاءهم بل سارعوا إلى التكذيب أول ما سمعوه. {أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين} تقرير لثوائهم كقوله: أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا *** أي ألا يستوجبون الثواء فيها وقد افتروا مثل هذا الكذب على الله وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب، أو لاجترائهم أي ألم يعلموا أن {فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين} حتى اجترؤوا مثل هذه الجراءة. {والذين جاهدوا فِينَا} في حقنا وإطلاق المجاهدة ليعم جهاد الأعادي الظاهرة والباطنة بأنواعه. {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا، أو لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير وتوفيقاً لسلوكها كقوله تعالى: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} وفي الحديث «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم» {وَإِنَّ الله لَمَعَ المحسنين} بالنصر والإِعانة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل المؤمنين والمنافقين».
مكية إلا قوله تعالى فسبحان الله الآية وآيها ستون أو تسع وخمسون آية. {بسم الله الرحمن الرحيم} {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)} {الم}. {غُلِبَتِ الروم فِى أَدْنَى الأرض} أرض العرب منهم لأنها الأرض المعهودة عندهم، أو في أدنى أرضهم من العرب واللام بدل من الإِضافة. {وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ} من إضافة المصدر إلى المفعول، وقرئ {غَلَبِهِمْ} وهو لغة كالجلب والجلب. {سَيَغْلِبُونَ}. {فِى بِضْعِ سِنِينَ} روي أن فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات وبصرى، وقيل بالجزيرة وهي أدنى أرض الروم من الفرس فغلبوا عليهم وبلغ الخبر مكة ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرن عليكم فنزلت، فقال لهم أبو بكر: لا يقرن الله أعينكم فوالله لتظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين، فقال له أبي بن خلف: كذبت اجعل بيننا أجلاً أناحبك عليه، فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلا الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر وماده في الأجل، فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين ومات أبي من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قفوله من أحد وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبي، وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تصدق به. واستدلت به الحنفية على جواز العقود الفاسدة في دار الحرب، وأجيب بأنه كان قبل تحريم القمار، والآية من دلائل النبوة لأنها إخبار عن الغيب. وقرئ»غَلَبَت«بالفتح و»سَيُغْلِبُونَ«بالضم ومعناه أن الروم غلبوا على ريف الشام والمسلمون سيغلبونهم، وفي السنة التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون وفتحوا بعض بلادهم وعلى هذا تكون إضافة الغلب إلى الفاعل. {لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين، ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين أي له الأمر حين غلبوا وحين يغلبون ليس شيء منهما إلا بقضائه، وقرئ {مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} من غير تقدير مضاف إليه كأنه قيل قبلاً وبعداً أي أولاً وآخراً. {وَيَوْمَئِذٍ} ويوم تغلب الروم. {يَفْرَحُ المؤمنون}. {بِنَصْرِ الله} من له كتاب على من لا كتاب له لما فيه من انقلاب التفاؤل وظهور صدقهم فيما أخبرا به المشركين وغلبتهم في رهانهم وازدياد يقينهم وثباتهم في دينهم، وقيل بنصر الله المؤمنين بإظهار صدقهم أو بأن ولي بعض أعدائهم بعضاً حتى تفانوا. {يَنصُرُ مَن يَشَاءُ} فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء أخرى. {وَهُوَ العَزِيزُ الرحيم} ينتقم من عباده بالنصر عليهم تارة ويتفضل عليهم بنصرهم أخرى. {وَعَدَ الله} مصدر مؤكد لنفسه لأن ما قبله في معنى الوعد. {لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ} لامتناع الكذب عليه تعالى. {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} وعده ولا صحة وعده لجهلهم وعدم تفكرهم.
{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13)} {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الحياة الدنيا} ما يشاهدونه منها والتمتع بزخارفها. {وَهُمْ عَنِ الآخرة} التي هي غايتها والمقصود منها. {هُمْ غافلون} لا تخطر ببالهم، و{هُمْ} الثانية تكرير للأولى أو مبتدأ و{غافلون} خبره والجملة خبر الأولى، وهو على الوجهين مناد على تمكن غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة المتقدمة المبدلة من قوله: {لاَّ يَعْلَمُونَ} تقريراً لجهالتهم وتشبيهاً لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدنيا ببعض ظاهرها، فإن من العلم بظاهرها معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وأفعالها وأسبابها وكيفية صدورها منها وكيفية التصرف فيها ولذلك نكر ظاهراً، وأما باطنها فإنها مجاز إلى الآخرة ووصلة إلى نيلها وأنموذج لأحوالها وإشعاراً بأنه لا فرق بين عدم العلم والعلم الذي يختص بظاهر الدنيا. {أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ} أو لم يحدثوا التفكر فيها، أو أَوَ لَمْ يَتَفَكْرُوا في أمر أنفسهم فإنها أقرب إليهم من غيرها ومرآة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له في الممكنات بأسرها ليتحقق لهم قدرة مبدعها على إعادتها مثل قدرته على إبدائها. {مَّا خَلَقَ الله السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق} متعلق بقول أو علم محذوف يدل عليه الكلام. {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} تنتهي عنده ولا تبقى بعده. {وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ الناس بِلِقَاءِ رَبّهِمْ} بلقاء جزائه عند انقضاء الأجل المسمى أو قيام الساعة. {لكافرون} جاحدون يحسبون أن الدنيا أبدية وأن الآخرة لا تكون. {أَوَ لَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} تقرير لسيرهم في أقطار الأرض ونظرهم في آثار المدمرين قبلهم. {كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} كعاد وثمود. {وَأَثَارُواْ الأرض} وقلبوا وجهها لاستنباط المياه واستخراج المعادن وزرع البذور وغيرها. {وَعَمَرُوهَا} وعمروا الأرض. {أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} من عمارة أهل مكة إياها فإنهم أهل واد غير ذي زرع لا تبسط لهم في غيرها، وفيه تهكم بهم من حيث إنهم مغترون بالدنيا مفتخرون بها وهم أضعف حالاً فيها، إذ مدار أمرها على التبسط في البلاد والتسلط على العباد والتصرف في أقطار الأرض بأنواع العمارة وهم ضعفاء ملجئون إلى دار لا نفع لها. {وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزات أو الآيات الواضحات. {فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} ليفعل بهم ما تفعل الظلمة فيدمرهم من غير جرم ولا تذكير. {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} حيث عملوا ما أدى إلى تدميرهم. {ثُمَّ كَانَ عاقبة الذين أَسَاءواْ السوءى} أي ثم كان عاقبتهم العاقبة {السوأى} أو الخصلة {السوأى}، فوضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ما اقتضى أن تكون تلك عاقبتهم وأنهم جاءوا بمثل أفعالهم، و{السوأى} تأنيث الأسوأ كالحسنى أو مصدر كالبشرى نعت به. {ثُمَّ أَن كَذَّبُواْ بِئَايَاتِ اللهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ} علة أو بدل أو عطف بيان ل {السوأى}، أو خبر كان و{السوأى} مصدر أساؤوا أو مفعوله بمعنى، {ثُمَّ كَانَ عاقبة} الذين اقترفوا الخطيئة أن طبع الله على قلوبهم حتى كذبوا بآيات الله واستهزؤوا بها، ويجوز أن تكون {السوأى} صلة الفعل و{السوءى أَن كَذَّبُواْ} تابعها والخبر محذوف للإبهام والتهويل، وأن تكون {أن} مفسرة لأن الإِساءة إذا كانت مفسرة بالتكذيب والاستهزاء كانت متضمنة معنى القول، وقرأ ابن عامر والكوفيون {عاقبة} بالنصب على أن الاسم {السوأى} و{أَن كَذَّبُواْ} على الوجوه المذكورة. {الله يَبْدَؤُاْ الخلق} ينشئهم. {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يبعثهم. {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} للجزاء والعدول إلى الخطاب للمبالغة في المقصود، وقرأ أبو بكر وأبو عمرو وروح بالياء على الأصل. {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُبْلِسُ المجرمون} يسكتون متحرين آيسين يقال ناظرته فأبلس إذا سكت وآيس من أن يحتج ومنه الناقة المبلاس التي لا ترغو، وقرئ بفتح اللام من أبلسه إذا أسكته. {وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مّن شُرَكَائِهِمْ} ممن أشركوهم بالله. {شُفَعَاءُ} يجيرونهم من عذاب الله، ومجيئه بلفظ الماضي لتحققه. {وَكَانُواْ بِشُرَكَائِهِمْ كافرين} يكفرون بآلهتهم حين يئسوا منهم، وقيل كانوا في الدنيا كافرين بسببهم، وكتب في المصحف «شفعواء«و {عَلِمُواْ بَنِى إسراءيل} بالواو وكذا {السوأى} بالألف إثباتاً للهمزة على صورة الحرف الذي منه حركتها.
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)} {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} أي المؤمنون والكافرون لقوله تعالى: {فَأَمَّا الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ} أرض ذات أزهار وأنهار. {يُحْبَرُونَ} يسرون سروراً تهلك له وجوههم. {وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بئاياتنا وَلِقَاء الآخرة فَأُوْلَئِكَ فِى العذاب مُحْضَرُونَ} مدخلون لا يغيبون عنه. {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الحمد فِى السموات والأرض وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته وتتجدد فيها نعمته، أو دلالة على أن ما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزهه واستحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهل السموات والأرض، وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لأن آثار القدرة والعظمة فيهما أظهر، وتخصيص الحمد بالعشي الذي هو آخر النهار من عشى العين إذا نقص نورها والظهيرة التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيهما أكثر، ويجوز أن يكون {عشياً} معطوفاً على {الله حِينَ تُمْسُونَ} وقوله {وَلَهُ الحمد فِى السموات والأرض} اعتراضاً. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن الآية جامعة للصلوات الخمس {تُمْسُونَ} صلاتا المغرب والعشاء، و{تُصْبِحُونَ} صلاة الفجر، و{عشيا} صلاة العصر، و{تُظْهِرُونَ} صلاة الظهر. ولذلك زعم الحسن أنها مدنية لأنه كان يقول كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقتا وإنما فرضه الخمس بالمدينة، والأكثر على أنها فرضت بمكة. وعنه عليه الصلاة والسلام " من سره أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون الآية " وعنه عليه الصلاة والسلام " من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته، ومن قاله حين يمسي أدرك ما فاته في يومه " وقرئ «حيناً تمسون» و«حيناً تصبحون» أي تمسون فيه وتصبحون فيه. {يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} كالإِنسان من النطفة والطائر من البيضة. {وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} كالنطفة والبيضة، أو يعقب الحياة الموت وبالعكس. {وَيُحيِي الأَرْضَ} بالنبات. {بَعْدَ مَوْتِهَا} يبسها. {وكذلك} ومثل ذلك الإخراج. {تُخْرَجُونَ} من قبوركم فإنه أيضاً تعقيب الحياة الموت، وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء. {وَمِنْ ءاياته أَنْ خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} أي في أصل الإِنشاء لأنه خلق أصلهم منه. {ثُمَّ إِذَا أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} ثم فاجأتم وقت كونكم بشراً منتشرين في الأرض. {وَمِنْ ءاياته أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا} لأن حواء خلقت من ضلع آدم وسائر النساء خلقن من نطف الرجال، أو لأنهن من جنسهم لا من جنس آخر. {لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا} لتميلوا إليها وتألفوا بها فإن الجنسية علة للضم والاختلاف سبب للتنافر. {وَجَعَلَ بَيْنَكُم} أي بين الرجال والنساء، أو بين أفراد الجنس. {مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} بواسطة الزواج حال الشبق وغيرها بخلاف سائر الحيوانات نظماً لأمر المعاش، أو بأن تعيش الإِنسان متوقف على التعارف والتعاون المحوج إلى التواد والتراحم، وقيل المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد كقوله تعالى: {وَرَحْمَةً مّنَّا} {إِنَّ فِى ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيعلمون ما في ذلك من الحكم. {وَمِنْ ءاياته خَلْقُ السموات والأرض واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ} لغاتكم بأن علم كل صنف لغته أو ألهمه وضعها وأقدره عليها، أو أجناس نطفكم وأشكاله فإنك لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية. {وألوانكم} بياض الجلد وسواده، أو تخطيطات الأعضاء وهيئاتها وألوانها، وحلاها بحيث وقع التمايز والتعارف حتى أن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما والأمور الملاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة. {إِنَّ فِى ذلك لآيات للعالمين} لا تكاد تخفى على عاقل من ملك أو إنس أو جن، وقرأ حفص بكسر اللام ويؤيد قوله: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العالمون} {وَمِنْ ءاياته مَنَامُكُم باليل والنهار وابتغاؤكم مّن فَضْلِهِ} منامكم في الزمانين لاستراحة القوى النفسانية وتقوي القوى الطبيعية وطلب معاشكم فيهما، أو منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف وضم بين الزمانين والفعلين بعاطفين إشعاراً بأن كلاً من الزمانين وإن اختص بأحدهما فهو صالح للآخر عند الحاجة، ويؤيده سائر الآيات الواردة فيه. {إِنَّ فِى ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} سماع تفهم واستبصار فإن الحكمة فيه ظاهرة. {وَمِنْ ءاياته يُرِيكُمُ البرق} مقدر بأن المصدرية كقوله: أَلاَ أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضَر الوَغَى *** وَأَن أشْهَد اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلدِي أو الفعل فيه منزلة المصدر كقولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، أو صفة لمحذوف تقديره آية يريكم بها البرق كقوله: فَمَا الدَّهْرُ إِلاَّ تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا *** أَمُوتُ وَأُخْرَى أَبْتَغِي العَيْشَ أَكْدَحُ {خَوْفًا} من الصاعقة للمسافر. {وَطَمَعًا} في الغيث للمقيم، ونصبهما على العلة لفعل يلزم المذكور فإن إراءتهم تستلزم رؤيتهم أوله على تقدير مضاف نحو إرادة خوف وطمع، أو تأويل الخوف والطمع بالإِخافة والإِطماع كقولك فعلته رغماً للشيطان، أو على الحال مثل كَلَّمْتُهُ شِفَاهاً. {وَيُنَزّلُ مِنَ السماء مَاءً} وقرئ بالتشديد. {فَيُحيِي بِهِ الأَرْضَ} بالنبات. {بَعْدَ مَوْتِهَا} يبسها. {إِنَّ فِى ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم في استنباط أسبابها وكيفية تكونها ليظهر لهم كمال قدرة الصانع وحكمته. {وَمِنْ ءاياته أَن تَقُومَ السماء والأرض بِأَمْرِهِ} قيامهما بإقامته لهما وإرادته لقيامهما في حيزيها المعينين من غير مقيم محسوس، والتعبير بالأمر للمبالغة في كمال القدرة والغنى عن الآلة. {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأرض إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} عطف على {أَن تَقُومَ} على تأويل مفرد كأنه قيل: ومن آياته قيام السموات والأرض بأمره ثم خروجكم من القبور {إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً} واحدة فيقول أيها الموتى اخرجوا، والمراد تشبيه سرعة ترتب حصول ذلك على تعلق إرادته بلا توقف واحتياج إلى تجشم عمل بسرعة ترتب إجابة الداعي المطاع على دعائه، وثم إما لتراخي زمانه أو لعظم ما فيه ومن الأرض متعلق بدعا كقولك: دعوته من أسفل الوادي فطلع إلي لا بتخرجون لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها، و{إِذَا} الثانية للمفاجأة ولذلك نابت مناب الفاء في جواب الأولى.
{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)} {وَلَهُمْ مَن فِى السموات والأرض كُلٌّ لَّهُ قانتون} منقادون لفعله فيهم لا يمتنعون عنه. {وَهُوَ الذى يَبْدَؤُاْ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} بعد هلاكهم. {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} والإِعادة أسهل عليه من الأصل بالإِضافة إلى قدركم والقياس على أصولكم وإلا فهما عليه سواء ولذلك قيل الهاء ل {الخلق}، وقيل {أَهْوَنُ} بمعنى هين وتذكير هو لأهون أو لأن الإِعادة بمعنى أن يعيد. {وَلَهُ المثل} الوصف العجيب الشأن كالقدرة العامة والحكمة التامة ومن فسره بقول لا إله إلا الله أراد به الوصف بالوحدانية. {الأعلى} الذي ليس لغيره ما يساويه أو يدانيه. {فِي السموات والأرض} يصفه به ما فيها دلالة ونطقاً. {وَهُوَ العزيز} القادر الذي لا يعجز عن إبداء ممكن وإعادته. {الحكيم} الذي يجري الأفعال على مقتضى حكمته. {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مّنْ أَنفُسِكُمْ} منتزعاً من أحوالها التي هي أقرب الأمور إليكم. {هَلْ لَّكُمْ مّن مَّا مَلَكَتْ أيمانكم} من مماليككم. {مّن شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم} من الأموال وغيرها. {فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} فتكونون أنتم وهم فيه شرعاً يتصرفون فيه كتصرفكم مع أنهم بشر مثلكم وأنها معارة لكم، و{مِنْ} الأولى للابتداء والثانية للتبعيض والثالثة مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي. {تَخَافُونَهُمْ} أن يستبدوا بتصرف فيه. {كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض. {كذلك} مثل ذلك التفصيل. {نُفَصّلُ الآيات} نبينها فإن التفصيل مما يكشف المعاني ويوضحها. {لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال. {بَلِ اتبع الذين ظَلَمُواْ} بالإِشراك. {أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} جاهلين لا يكفهم شيء فإن العالم إذا اتبع هواه ربما ردعه علمه. {فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ الله} فمن يقدر على هدايته. {وَمَا لَهُم مّن ناصرين} يخلصونهم من الضلالة ويحفظونهم عن آفاتها. {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً} فقومه له غير ملتفت أو ملتفت عنه، وهو تمثيل للإقبال والاستقامة عليه والاهتمام به. {فِطْرَتَ الله} خلقته نصب على الإِغراء أو المصدر لما دل عليه ما بعدها. {التى فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} خلقهم عليها وهي قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه، أو ملة الإِسلام فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها، وقيل العهد المأخوذ من آدم وذريته. {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} لا يقدر أحد يغيره أو ما ينبغي أن يغير. {ذلك} إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو الفطرة إن فسرت بالملة. {الدين القيم} المستقيم الذي لا عوج فيه. {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} استقامته لعدم تدبرهم. {مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} راجعين إليه من أناب إذا رجع مرة بعد أخرى، وقيل منقطعين إليه من الناب وهو حال من الضمير في الناصب المقدر لفطرة الله أو في أقم لأن الآية خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والأمة لقوله: {واتقوه وَأَقِيمُواْ الصلاة وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين} غير أنها صدرت بخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيماً له. {مِنَ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ} بدل من المشركين وتفريقهم اختلافهم فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم، وقرأ حمزة والكسائي «فارقوا» بمعنى تركوا دينهم الذي أمروا به. {وَكَانُواْ شِيَعاً} فرقاً تشايع كل إمامها الذي أضل دينها. {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} مسرورون ظناً بأنه الحق، ويجوز أن يجعل فرحون صفة كل على أن الخبر {مِنَ الذين فَرَّقُواْ}. {وَإِذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ} شدة. {دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} راجعين من دعاء غيره. {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً} خلاصاً من تلك الشدة. {إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ} فاجأ فريق منهم بالإِشراك بربهم الذي عافاهم. {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتيناهم} اللام فيه للعاقبة وقيل للأمر بمعنى التهديد لقوله: {فَتَمَتَّعُواْ} غير أنه التفت فيه مبالغة وقرئ و«ليتمتعوا». {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبة تمتعكم، وقرئ بالياء التحتية على أن تمتعوا ماض. {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سلطانا} حجة وقيل ذا سلطان أي ملكاً معه برهان. {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} تكلم دلالة كقوله {كتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق} أو نطق. {بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ} بإشراكهم وصحته، أو بالأمر الذي بسببه يشركون به في ألوهيته. {وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً} نعمة من صحة وسعة. {فَرِحُواْ بِهَا} بطروا بسببها. {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} شدة. {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بشؤم معاصيهم. {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فاجؤوا القنوط من رحمته وقرأ الكسائي وأبو عمرو بكسر النون. {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} فما لهم يشكروا ولم يحتسبوا في السراء والضراء كالمؤمنين. {إِنَّ فِى ذلك لآيات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فيستدلون بها على كمال القدرة والحكمة.
{فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)} {فَئَاتِ ذَا القربى حَقَّهُ} كصلة الرحم، واحتج به الحنفية على وجوب النفقة للمحارم وهو غير مشعر به. {والمساكين وابن السبيل} ما وظف لهما من الزكاة، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لمن بسط له ولذلك رتب على ما قبله بالفاء. {ذَلِكَ خَيْرٌ لّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله} ذاته أو جهته أي يقصدون بمعروفهم إياه خالصاً، أو جهة التقرب إليه لا جهة أخرى. {وأولئك هُمُ المفلحون} حيث حصلوا بما بسط لهم النعيم المقيم. {وَمَا ءَاتَيْتُمْ مّن رِباً} زيادة محرمة في المعاملة أو عطية يتوقع بها مزيد مكافأة، وقرأ ابن كثير بالقصر بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا. {لّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ الناس} ليزيد ويزكو في أموالهم. {فَلاَ يَرْبُواْ عَندَ الله} فلا يزكو عنده ولا يبارك فيه، وقرأ نافع ويعقوب «لتربوا» أي لتزيدوا أو لتصيروا ذوي ربا. {وَمَآ ءَاتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ} تبتغون به وجهه خالصاً {فَأُوْلَئِكَ هُمُ المضعفون} ذوو الأضعاف من الثواب ونظير المضعف المقوي والموسر لذي القوة واليسار، أو الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة الزكاة، وقرئ بفتح العين وتغييره عن سنن المقابلة عبارة ونظماً للمبالغة، والالتفات فيه للتعظيم كأنه خاطب به الملائكة وخواص الخلق تعريفاً لحالهم، أو للتعميم كأنه قال: فمن فعل ذلك {فَأُوْلَئِكَ هُمُ المضعفون}، والراجع منه محذوف إن جعلت ما موصولة تقديره المضعفون به، أو فَمُؤْتُوه أولئك هم المضعفون. {الله الذى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَئ} أثبت له لوازم الألوهية ونفاها رأساً عما اتخذوه شركاء له من الأصنام وغيرها مؤكداً بالإنكار على ما دل عليه البرهان والعيان ووقع عليه الوفاق، ثم استنتج من ذلك تقدسه عن أن يكون له شركاء فقال: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ويجوز أن تكون الكلمة الموصولة صفة والخبر {هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ} والرابط {مّن ذلكم} لأنه بمعنى من أفعاله، و{مِنْ} الأولى والثانية تفيد أن شيوع الحكم في جنس الشركاء والأفعال والثالثة مزيدة لتعميم المنفي وكل منها مستقلة بتأكيد لتعجيز الشركاء، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء. {ظَهَرَ الفساد فِى البر والبحر} كالجدب والموتان وكثرة الحرق والغرق وإخفاق الغاصة ومحق البركات وكثرة المضار، أو الضلالة والظلم. وقيل المراد بالبحر قرى السواحل وقرئ و«البحور». {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى الناس} بشؤم معاصيهم أو بكسبهم إياه، وقيل ظهر الفساد في البر بقتل قابيل أخاه وفي البحر بأن جلندا ملك عمان كان يأخذ كل سفينة غصباً. {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الذى عَمِلُواْ} بعض جزائه فإن تمامه في الآخرة واللام للعلة أو العاقبة. وعن ابن كثير ويعقوب «لّنُذِيقَهُمْ» بالنون. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عما هم عليه. {قُلْ سِيرُواْ فِى الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلُ} لتشاهدوا مصداق ذلك وتحققوا صدقه. {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ} استئناف للدلالة على أن سوء عاقبتهم كان لفشو الشرك وغلبته فيهم، أو كان الشرك في أكثرهم وما دونه من المعاصي في قليل منهم. {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ القيم} البليغ الاستقامة. {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ} لا يقدر أن يرده أحد، وقوله: {مِنَ الله} متعلق ب {يَأْتِىَ}، ويجوز أن يتعلق ب {مَرَدْ} لأنه مصدر على معنى لا يرده الله لتعلق إرادته القديمة بمجيئه. {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} يتصدعون أي يتفرقون {فَرِيقٌ فِى الجنة وَفَرِيقٌ فِى السعير} كما قال {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} أي وباله وهو النار المؤبدة. {وَمَنْ عَمِلَ صالحا فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} يسوون منزلاً في الجنة، وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على الاختصاص. {لِيَجْزِىَ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِن فَضْلِهِ} علة ل {يَمْهَدُونَ} أو ل {يَصَّدَّعُونَ}، والاقتصار على جزاء المؤمنين للإِشعار بأنه المقصود بالذات والاكتفاء على فحوى قوله: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الكافرين} فإن فيه إثبات البغض لهم والمحبة للمؤمنين، وتأكيد اختصاص الصلاح المفهوم من ترك ضميرهم إلى التصريح بهم تعليل له ومن فضله دال على أن الإِثابة تفضل محض، وتأويله بالعطاء أو الزيادة على الثواب عدول عن الظاهر. {وَمِنْ ءاياته أَن يُرْسِلَ الرياح} الشمال والصبا والجنوب فإنها رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «الريح» على إرادة الجنس. {مبشرات} بالمطر. {وَلِيُذِيقَكُمْ مّن رَّحْمَتِهِ} يعني المنافع التابعة لها، وقيل الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مع هبوبها والعطف على علة محذوفة دل عليها {مبشرات} أو عليها باعتبار المعنى، أو على {يُرْسِلُ} بإضمار فعل معلل دل عليه. {وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} يعني تجارة البحر. {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ولتشكروا نعمة الله تعالى فيها.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)} {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بالبينات فانتقمنا مِنَ الذين أَجْرَمُواْ} بالتدمير. {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين} إشعار بأن الانتقام لهم وإظهار لكرامتهم حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم، وعنه عليه الصلاة والسلام «ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم ثم تلا ذلك» وقد يوقف على {حَقّاً} على أنه متعلق بالانتقام. {الله الذى يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ} متصلاً تارة. {فِى السماء} في سمتها. {كَيْفَ يَشَاءُ} سائراً أو واقفاً مطبقاً وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك. {وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} قطعاً تارة أخرى، وقرأ ابن عامر بالسكون على أنه مخفف أو جمع كسفة أو مصدر وصف به. {فَتَرَى الودق} المطر. {يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} في التارتين. {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} يعني بلادهم وأراضيهم. {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} لمجيء الخصب. {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} المطر. {مِن قَبْلِهِ} تكرير للتأكيد والدلالة على تطاول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم، وقيل الضمير للمطر أو السحاب أو الإِرسال. {لَمُبْلِسِينَ} لآيسين. {فانظر إلى أَثَرِ رَحْمَتَ الله} أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار ولذلك جمعه ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص. {كَيْفَ يُحْيِي الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} وقرئ بالتاء على إسناده إلى ضمير الرحمة. {إِنَّ ذلك} يعني إن الذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها. {لَمُحْيِي الْمَوْتَى} لقادر على إحيائهم فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية، كما أن إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية، هذا ومن المحتمل أن يكون من الكائنات الراهنة ما يكون من مواد تفتت وتبددت من جنسها في بعض الأعوام السالفة. {وَهُوَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} لأن نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على سواء. {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً} فرأوا الأثر أو الزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم، وقيل السحاب لأنه إذا كان {مُصْفَرّاً} لم يمطر واللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وقوله: {لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} جواب سد مسد الجزاء ولذلك فسر بالاستقبال. وهذه الآية ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم، فإن النظر السوي يقتضي أن يتوكلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولا ييأسوا من رحمته، وأن يبادروا إلى الشكر والاستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وأن يصبروا على بلائه إذا ضرب زرعهم بالاصفرار ولا يكفروا نعمه. {فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} وهم مثلهم لما سدوا عن الحق مشاعرهم. {وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ} قيد الحكم به ليكون أشد استحالة، فإن الأصم المقبل وإن لم يسمع الكلام يفطن منه بواسطة الحركات شيئاً، وقرأ ابن كثير بالياء مفتوحة ورفع «الصم». {وَمَا أَنتَ بِهَادِ العمى عَن ضلالتهم} سماهم عمياً لفقدهم المقصود الحقيقي من الأبصار أو لعمى قلوبهم، وقرأ حمزة وحده «تهدي العمي». {إِنْ تُسْمِع إِلاَّ مَن يُؤْمِن بِآيَاتِنَا} فإن إيمانهم يدعوهم إلى تلقي اللفظ وتدبر المعنى، ويجوز أن يراد بالمؤمن المشارف للإِيمان. {فَهُم مُّسْلِمُونَ} لما تأمرهم به. {الله الذى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ} أي ابتدأكم ضعفاء وجعل الضعف أساس أمركم كقوله {خَلَقَ الإنسان ضَعِيفاً} أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة. {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} وذلك إذا بلغتم الحلم أو تعلق بأبدانكم الروح. {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} إذا أخذ منكم السن، وفتح عاصم وحمزة الضاد في جميعها والضم أقوى لقول ابن عمر رضي الله عنهما: قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ضعف فأقرأني من ضُعف " وهما لغتان كالفقر والفُقر والتنكير مع التكرير لأن المتأخر ليس عين المتقدم. {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} من ضعف وقوة وشبيبة وشيبة. {وَهُوَ العليم القدير} فإن الترديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره دليل العلم والقدرة. {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} القيامة سميت بها لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا، أو لأنها تقع بغتة وصارت علماً بها بالغلبة كالكوكب للزهرة. {يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ} في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء الدنيا والبعث وانقطاع عذابهم، وفي الحديث " ما بين فناء الدنيا والبعث أربعون " وهو محتمل الساعات والأيام والأعوام. {غَيْرَ سَاعَةٍ} استقلوا مدة لبثهم إضافة إلى مدة عذابهم في الآخرة أو نسياناً. {كذلك} مثل ذلك الصرف عن الصدق والتحقيق. {كَانُواْ يُؤْفَكُونَ} يصرفون في الدنيا. {وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان} من الملائكة والإِنسَ. {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كتاب الله} في علمه أو قضائه، أو ما كتبه لكم أي أوجبه أو اللوح أو القرآن وهو قوله: {وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ}. {إلى يَوْمِ البعث} ردوا بذلك ما قالوه وحلفوا عليه. {فهذا يَوْمُ البعث} الذي أنكرتموه. {ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ} أنه حق لتفريطكم في النظر، والفاء لجواب شرط محذوف تقديره: إن كنتم منكرين البعث فهذا يومه، أي فقد تبين بطلان إنكاركم. {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ تنفَعُ الذين ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ} وقرأ الكوفيون بالياء لأن المعذرة بمعنى العذر، أو لأن تأنيثها غير حقيقي وقد فصل بينهما. {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} لا يدعون إلى ما يقتضي إعتابهم أي إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إليه في الدنيا من قولهم استعتبني فلان فأعتبته أي استرضاني فأرضيته.
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)} {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هذا القرءان مِن كُلِّ مَثَلٍ} ولقد وصفناهم فيه بأنواع الصفات التي هي في الغرابة كالأمثال، مثل صفة المبعوثين يوم القيامة فيما يقولون وما يقال لهم وما لا يكون من الانتفاع بالمعذرة والاستعتاب، أو بينا لهم من كل مثل ينبههم على التوحيد والبعث وصدق الرسول. {وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِئَايَةٍ} من آيات القرآن. {لَّيَقُولَنَّ الذين كَفَرُواْ} من فرط عنادهم وقساوة قلوبهم. {إِنْ أَنتُمْ} يعنون الرسول والمؤمنين. {إِلاَّ مُبْطِلُونَ} مزورون. {كذلك} مثل ذلك الطبع. {يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} لا يطلبون العلم ويصرون على خرافات اعتقدوها فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب المحق. {فاصبر} على أذاهم. {إِنَّ وَعْدَ الله} بنصرتك وإظهار دينك على الدين كله. {حَقّ} لا بد من إنجازه. {وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ} ولا يحملنك على الخفة والقلق. {الذين لاَ يُوقِنُونَ} بتكذيبهم وإيذائهم فإنهم شاكون ضالون لا يستبدع منهم ذلك. وعن يعقوب بتخفيف النون، وقرئ «ولا يستحقنك» أي لا يزيغنك فيكونوا أحق بك مع المؤمنين. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك سبح الله بين السماء والأرض وأدرك ما ضيع في يومه وليلته "
|